ألا نريد أن ندخل الجنة على راحتي رسول الله

نحن في شهرنا المبارك الذي هو من الأشهر الحرم التي قال فيها الله سبحانه وتعالى: “منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم”
فالله سبحانه وتعالى يفهمنا أن ظلم النفس في هذا الشّهر من الأمور الخطيرة ومن الظلم: أن يقع الانسان في الذّنوب والغفلات أو يقع في تفكيره بسهو عن ذكر الله، فالذّنوب تتفاوت هناك ذنوب عامّة وهي المعاصي وهناك ذنوب خاصّة وهي الغفلات وهناك ذنوب لخواص الخواص وهي الالتفات عن الله.
ما أحوجنا لأن نكون على حذر فالإنسان عندما يقود سيّارته على طريق واسع في شوارع عريضة تختلف قيادته عن الطّريق الضّيق وتختلف إذا كان أيضا محاط عن يمينه ويساره بالأودية وإذا كان الضّوء في الطّريق خافت يأخذ احتياطه أكثر ويقود ببطء كي لا يصطدم وتكون نهايته الوفاة.
كذلك علينا أن نكون في هذه الأشهر الحرم لاسيما شهر الله الذي وصفه النبي ﷺ: “خير الصّيام صيام رمضان والشهر الحرام” لذلك إن أفضل الصّيام بعد رمضان هو الصّيام في هذا الشّهر فهنيئا للصّائمين منكم ونسأل الله أن يجعلنا من الفائزين المقبولين لهذا الرّبح العظيم، فصيام يوم عاشوراء يكفّر ذنوب سنة وهذه نعمة من نعم الله علينا فهي نفحة من النّفحات والنبي ﷺ يقول: “ألا إن في أيّام دهركم لنفحات ألا فاغتنموها”.
الكثير من النّاس يعرف هذه النّفحات أمّا الذي لا يعرفه ولا ينتبه إليه البعض هو النّفحة الدّائمة التي لا تنقضي ولا تغيب، النفحة التي هي الشّمس المضيئة على حياته كي لا يقع في المهالك.
جاء رجل الى النبي ﷺ فقال يارسول الله قبّلت زوجتي أو لامستها فهل عليّ من وضوء؟ فقال له النبي: لا، ثم جاء رجل آخر وسأل عن نفس المسألة فقال له النبي: نعم، فتعجب الصّحابة لذلك فقالوا يا رسول الله لقد رأينا عجبا فبين لنا ﷺ فقال: أمّا الأوّل فرجل مسن والرّجل المسنّ لا تتحرك شهوته بمجرد التقبيل والملامسة فلا يجب عليه الوضوء، أما الآخر فشاب ذو حيوية وأي حركة ممكن يستجيب لها لذلك وجب عليه الوضوء.
انظروا الى حكمة النبي ﷺ كيف يعطي الفتاوى على حسب المسائل.
قصّة أخرى: دخل رجل على النبي ﷺ فقال يا رسول الله إني أصلّي الصّلوات الخمس وأصوم رمضان ولا أزيد عليهن إن متّ أين أنا أو أدخل الجنّة؟ فقال له النبي ﷺ إن متّ أنت في الجنّة فقال له الرّجل: بجوارك؟ فضحك النبي ﷺ وقال: إذا فعلت ثلاث فقال: ماهي؟ قال: أن تحفظ القلب من اثنين ولسانك من اثنين وعيناك من اثنين، فقال بم أحفظ قلبي؟ قال: من الغلّ والحسد وأن تحفظ لسانك من الغيبة والكذب فإنها أشد من الزّنا قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا تاب الزّاني تاب الله عليه وأما صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه، وأن تحفظ عيناك من اثنتين النظر إلى الحرام وازدراء الناس”.
انظروا الى النبي كيف وجّهه إلى أمور أخلاقية أدبية وإلى أعمال لا تحتاج المال قال تعالى: “فامشوا في مناكبها” نحن نفهم هذه الآية فقط العمل والحركة والحقيقة أن القلب أيضا يجب أن يكون نظيفا وعندما يسيء اليك أحدهم ولو أتيحت لك الفرصة لمزّقته لكن عليك أن تتذكر الله الذي خلقنا كيف نعصيه وهو لا زال يحلم علينا ويرزقنا ويسقينا ويطعمنا مع العلم أننا لسنا أهلا لذلك لكن نتشبه بخلق من صفات الله لعلّ الله يهديه ويتوب عليه.
وهذه الصّفات لا يمكن أن تتصف بها وحدك، أرأيت شجرة أثمرت وحدها أم أنها احتاجت الى فلاح يزرعها ويسقيها ويعتني بها، إذا نحتاج للأخذ بالأسباب ومصاحبة المعلّم الذي يزرع فيك بذور المحبّة والتسامح والصبر، السيّدة مريم قال الله لها “وهزّي إليك بجذع النخلة” هل يمكن للجذع أن يهتز؟؟ لكن أمرها أن تأخذ بالأسباب ومجرد ما وضعت يدها عليها بدأت تتساقط الرطب.
أما البلاء الثاني فهو الحسد، قال النبي ﷺ: “دبّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء ” هذا المرض موجود في الأمم السّابقة وينتقل للنّاس مثله مثل الجرب بالعدوى من شخص الى اخر ثم وصف النبي ﷺ الحسد فقال: “الحسد هو الحالقة لا أقول لكم حالقة الشّعر لكن حالقة الدين”.
هناك كثير من النّاس دينه محلوق حتى الصّفر وهو يظن نفسه من أهل الفردوس الأعلى قال تعالى: “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” يصوم ويصلّي ويأتي الحسد فيحلق ما جمعه من ثواب لذلك علينا أن نكون حذرين.
والحاسد يعيش دائما في هم، فلان الله أعطاه ومن أين لفلان هذه النعم؟؟ أنت ان كنت مؤمن تقول زاده الله ورزقنا كما رزقه، هذه صفة المؤمن يتمنى الخير والسّعادة للجميع فإذا رأى فلان سعيد مع أهله وبيته دعا له بالزيادة ودعا لنفسه بأن يكرمه الله كما أكرم جاره.
انظروا ما أجمل هذه القلوب التي تكون على هذا المستوى لذلك احذروا من الحسد وابحثوا عمن يخلّصكم منه كي لا يدخل هذا المرض الى قلوبكم هذا البلاء هو غرس من غراس الشّيطان في القلوب الغير محصّنة.
المزرعة التي ليس لها راعي وحارس تتجول فيها الدّواب فيهلكون الأشجار والثمار والاعشاب لكن اذا كان فيها حارس يضع لها سور وحصن على بابها فلا يتجرأ أحد على دخولها وكذلك القلب ، وحرّاس القلب هم أهل الله رضي الله عنهم يحرسون قلوبنا في غفلاتنا وفي شهواتنا سابقا لم نكن نجد شخص إلا يكون منسوب لعالم وشيخ لذلك لم نكن نجد هذه الامراض النفسيّة وانفصام الشخصيّة وما الى ذلك لأنهم كانوا منسوبين لأهل الله وأهل الله عندما يعطيهم الله القدرة تطوف أرواحهم الكون سبع مرّات في الثّانية لهم طاقة خاصّة كيف تختلف طاقة الطيّارة عن السيّارة عن الفرس وهكذا ..
وأن تحفظ لسانك من الغيبة…
النبي وصف أن الغيبة أشدّ من الزنا، كم خطورة الزّنا وكم حذر الله منه ومع ذلك النبي وصف الغيبة بأنها أشدّ من الزّنا لأن الزّاني بمجرّد أن يستقيم ويتوب ويندم ويرجع إلى الله يغفر الله له أما صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له الذي اغتابه لأنّه يوم القيامة سوف يأخذ من حسناتك.
إذا عليك أن تحفظ هذا اللّسان فمن حكمة الله أن جعل لنا يدين اثنتين وعينين وأذنين إلا اللّسان جعله واحد حتى تفهم أنّ عليك أن تسمع ضعف ما تتكلم أمّا نحن فهمنا العكس للأسف، والنبي ﷺ يلخص لنا الغيبة فيقول: “الغيبة هي ذكرك أخاك بم يكره” أي إذا اخاك فيه صفة حدبة مثلا وناديته هذا أبو الحدبة فقد اغتبته لأنه يكره هذه الصّفة فيه.
بعد الغيبة ذكر النبي الكذب الذي انتشر اليوم انتشارا كبيرا، سأل الصّحابة النبي ﷺ: يارسول الله هل المؤمن يزني؟ فقال: ربما وكان قدر الله قدرا مقدورا، فقالوا: هل يسرق؟ هل يفعل كذا هل يفعل كذا وفي كل مرّة النبي كان يجيب ربما وكان قدر الله قدرا مقدورا، فسألوا هل المؤمن يكذب؟ فكان النبي متكئا فجلس وتغير لونه وقال لا لا “إنّما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر”.
والنبي ﷺ عندما يعلم أن أحدا من أهل بيته كذب كذبة صغيرة لا يكلّمه حتى يتوب توبة نصوحة إذا كم الكذب أمر خطير، اقرأ في سورة المرسلات أكثر من تسع مرات يقول فيها الله تعالى: “ويل يومئذ للمكذبين” ويل هو تهديد للكذاب ونحن لا زلنا نقول الكذب ملح الرّجال هذا هو البلاء للأسف وما زلنا نستغرب سبب الامراض التي انتشرت والبلاءات، اشكروا الله أنه لم يرسل علينا صخورا تقع على رؤوسنا.
وأن تحفظ عيناك من اثنتين النظر إلى الحرام…
أما النّظر الى الحرام فهذه قصّة واقعية حصلت معي أحدهم أرسل لي مقطع فيديو فيه تلاوة قرأن ومناظر طبيعية من أجمل ما يكون لكن في نهاية المقطع في صورة لامرأة عارية غير محتشمة بلباسها فأطفأت الفيديو وراسلت من أرسلها لي وقلت ما أجملها من تلاوة لكنك وضعت السّم في آخر المقطع فراسلني يعتذر لأنّه لا يعلم ما في أخره.
اذاً إذا أردت أن ترسل شيء ما تابعه وانظر اليه ربما كان شيء مخل بالأدب والحشمة واحذر أن تتمتع بالنّظر وتقول يا سلام وسبحان الخلاق، أتسبح الله على معصية؟
النبي ﷺ كان راكبا على بغلته ومعه ابن عباس وقيل ابن عمر فجاءت نسوة وبدأن يسألنه وأخذ ابن عباس ينظر إليهن وكان عمره 13 سنة فأخذ النبي بوجهه عنهن وكأنه يعلّمه أن يحفظ نظره، ماذا ستستفيد من هذه النظرة؟ لن تستفيد شيئا انما هي ضرر عليك قال تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم”.
ولا تزدري بهما مسلماً، أي ألا تنظر لأحد نظرة استهزاء أو احتقار أتظن نفسك أفضل منه؟؟ عليك أن تعلم أنّ الله خلقك وخلقه ربّك وربّه واحد وقد يدخله الجنة بمنزلة أعلى من منزلتك لا ندري بم يختم لك وله لذلك لا تحتقر أحدا.
وقد ورد أن أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة في الجنّة أن يرى الانسان عبده (أي العامل عنده) بمنزلة أعلى من منزلته فعندما يراه يشعر بالحسرة لأنّه أعلى منه بدرجة والدرجة في الجنّة بمئة سنة، فيقول الله تعالى حاسبتك بعملك وحاسبته بعمله “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
قال ﷺ:”خمس من أعطيهن لم يعذر على ترك الآخرة: زوجة صالحة وبنون بررة وحسن مخالطة الناس ومعيشته في بلده وحبه لآل بيت النبي ﷺ”.
إذا أنعم الله عليك بزوجة صالحة تتعبد وتزيد في أعمال الخير والبرّ وأولاد صالحين بررة هذه نعمة من نعم الله ومن النّعم أن يكون من حولك من أحسن النّاس أخلاقاً لكن إذا كان الجّو حولك مليء بالتخاصم والتناحر سيعيقك عن العبادة ومن النّعم معيشتك في بلدك بين أهلك وحبك لآل النّبي ولكل منسوب له هذا من الايمان.
أبو هريرة مرّة رأى النبي وهو نائم قيلولة أراد أن يسلّم عليه فلما رآه نائم ذهب لزيارة أمّه فلمّا ذهب استيقظ النبي ونادى يا أبا هريرة فلم يسمعه وإذ بحمار النبي يذهب الى بيت أبي هريرة ويطرق الباب برأسه فيفتح أبو هريرة ليجد يعفور بالباب فيعلم أن النبي استيقظ فيذهب اليه مسرعاً فيقول له النبي من أخبرك قال: يعفور طرق على الباب فعلمت أنك تريدني.
وعندما انتقل النبي الى الرّفيق الأعلى رمى يعفور نفسه في بئر وكأنه يقول لا يركب ظهري أحد غير رسول الله ﷺ.
هذا حمار نجده يفهم أكثر من بعض النّاس الذين لا يعلمون عن اسلامهم شيئا، نحن كلّنا دواب فكل ما يدبّ على وجه الأرض هو دابّة لكن الفرق بيننا وبين الدّواب أننا نستخدم عقلنا ونسخّر ما نملك من الذّكاء من أجل خدمة الجسم من طعام وشراب ولباس لكن من وفّقه الله يضع كل همّه وتفكيره من أجل روحه وهو حريص على بقائها ونموها وصلاحها واستقامتها والمؤمن الذي يكسب الاثنين معاً روحه وجسده أمّا الذي وضع جلّ همّه في بناء جسده تكون روحه ضعيفة ويوم القيامة يخسر خسارة لا تعوّض هذا هو الفارق بين من وفقه الله واستخدم عقله من أجل نجاة روحه وذلك الذي سخرّه في بقاء جسده فخسر الدّنيا والآخرة.

(Visited 2 times, 1 visits today)

About The Author

You Might Be Interested In

LEAVE YOUR COMMENT

%d bloggers like this: